السؤال:
أعمل مبرمجا في إحدى الدول العربية لمدة ثلاث سنوات، وعمري 26 عاما.. ولكنى غير راض عن أدائي في العمل فأنا لا أكتسب خبرة..
كما أن راتبي لم يتم زيادته منذ بداية العقد، مع العلم بأني أؤدي عملي بصورة جيدة.. ولكن الخلل في إدارة الشركة..
أريد أن أترك عملي والبحث عن عمل آخر.. ولكني مرتبط (متزوج) وأخشى عدم إيجاد وظيفة.. فماذا أفعل؟
الجواب:
مرحبا بك أخي الكريم في موقعك موقع (المسلم)، وشكر الله لك ثقتك، وحرصك على طلب المشورة.
مشكلتك أخي تتمثل في:
رغبتك في تطوير وضعك العملي من الناحيتين المهنية والمادية، واستشعارك عدم الرضا عن الواقع الحالي لعملك، مرجعا الخلل إلى إدارة الشركة؛ حيث إنك تؤدي عملك بصورة جيدة.
ومن جهة أخرى: يؤرقك الخوف من عدم توفر البديل المناسب مع كونك متزوجا ومسئولا عن بيت تعوله.
وأقول لك أخي الكريم مستعينا بالله تعالى:
إن من أعظم الوصايا البليغة التي تناسب الحال التي تشغلك وتشكوها:
قول الله جل وعلا: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...} [التوبة: 105].
فبقدر ما نسعى ونجتهد في شؤوننا؛ نرى ثمرة ذلك عاجلا أو آجلا؛ فالله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا. كما أن العرف بين الناس جرى على التقدير والتمييز بين المجتهد وغير المجتهد.
وكذلك قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعْجَز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان». رواه مسلم.
ومن روائع ما قيل في بعض معاني هذا الحديث الشريف قول العلاّمة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله» كلام جامع نافع، مُحِتوٍ على سعادة الدنيا والآخرة. والأمور النافعة قسمان: أمور دينية، وأمور دنيوية. والعبد محتاج إلى الدنيوية كما أنه محتاج إلى الدينية؛ فمدار سعادته وتوفيقه على الحرص والاجتهاد في الأمور النافعة منهما، مع الاستعانة بالله تعالى.
فمتى حرص العبد على الأمور النافعة واجتهد فيها، وسلك أسبابها وطرقها، واستعان بربه في حصولها وتكميلها: كان ذلك كماله، وعنوان فلاحه. ومتى فاته واحد من هذه الأمور الثلاثة: فاته من الخير بحسبها، فمن لم يكن حريصًا على الأمور النافعة، بل كان كسلانًا لم يدرك شيئا؛ فالكسل هو أصل الخيبة والفشل؛ فالكسلان لا يدرك خيرا، ولا ينال مكرمة، ولا يحظى بدين ولا دنيا.
ومتى كان حريصًا، ولكن على غير الأمور النافعة: إما على أمور ضارة، أو مفوّتة للكمال؛ كان ثمرة حرصه الخيبة، وفوات الخير، وحصول الشر والضرر، فكم من حريص على سلوك طرق وأحوال غير نافعة لم يستفد من حرصه إلا التعب والعناء والشقاء.
ثم إذا سلك العبد الطرق النافعة، وحرص عليها، واجتهد فيها: لم تتم له إلا بصدق اللجء إلى الله، والاستعانة به على إدراكها وتكميلها، وأن لا يتكل على نفسه وحَوْله وقوته، بل يكون اعتماده التام بباطنه وظاهره على ربه؛ فبذلك تهون عليه المصاعب، وتتيسر له الأحوال...) انتهى كلامه رحمه الله.
ثم أقول لك أيها الأخ الفاضل:
في ضوء هذه الوصايا البليغة من لدن الوحي المطهر، وإشراقاتها في النفس المؤمنة الطموح المتوثبة إلى المعالي، دعنا ننظر إلى المشكلة من جوانبها المختلفة؛ بتحليل كل جانب على حدة:
أولا: بالنسبة لإدارة الشركة:
تذكّر أن كل جهة عمل تنظر إلى منسوبيها باعتبار الاتفاق المبرم بينهما؛ عمل محدد في مقابل راتب محدد، فمثلما تشغلك الرغبة في تحسين المقابل ينظرون هم إلى إتقان العمل في حده الأدنى الذي تصفه أنت بأدائك الجيد، بل ربما يتوقعون مزيدا عليه!
ومن ثم أخي فلا تشغل نفسك بتبرير الخلل من جهتهم طالما أنهم لا يبخسونك حقك، ولا تلق اللوم عليهم لعدم السعي إلى تطوير مهاراتك، أو زيادة راتبك، لمجرد الأداء الجيد، إلا إذا كان اتفاقكم يتضمن زيادات دورية؛ فهذا حق لك. ولتعلم أخي أن علاقة العمل في الأساس تقوم على العدل لا الفضل، ولو تأملت ذلك من جهتك أو وضعت نفسك مكان الطرف الآخر؛ لزال من نفسك بعض ما تستشعره، ولفتحت لنفسك مسارات أخرى لتحقيق ما تصبو إليه باجتهادك الخاص؛ ولكل مجتهد نصيب، وكما قال الشاعر:
ما حكّ جلدَك مثلُ ظفرك فتولَّ أنت جميعَ أمرك
ومن هنا أنتقل معك إلى الجانب الثاني من المشكلة: والذي يلخصه قولك: (فأنا لا أكتسب خبرة)!
وتحضرني هنا قصة شخص أمضى ثلاثين عملا في وظيفة محددة دون تغيير ولا تطوير؛ فلما سئل عن خبرته أجاب بأنها ثلاثين سنة؛ فقيل له: الحقيقة أنك فقط أديت العمل نفسه ثلاثين سنة!
فلا تنشغل أخي بإلقاء اللائمة على جهة العمل، نعم يفترض من أصحاب الأعمال السعي إلى تطوير المنسوبين وتنمية مهاراتهم من خلال دورات ونحوها؛ فمردود ذلك يعود على الطرفين كليهما بالنفع والفائدة، لكن إذا لم يتحقق ذلك منهم فالشأن أن تضع أنت خططك الخاصة لتطوير مهاراتك وتنمية ذاتك؛ فابذل من مالك ووقتك ولا تتردد في تحصيل دراسات ودورات تدعم اختصاصك، لاسيما وميدان البرمجة من المجالات المهمة التي تمس لها الحاجة في زماننا هذا، وكلما زادت حصيلتك فيها زادت فرصك وحظوظك بإذن الله تعالى.
ومن ثم أوصيك بالمسارعة على الالتحاق بالدراسات أو الدورات المناسبة، وأن تصبر على رحلتك في هذا الميدان؛ حتى يتحقق لك من خلاله التميز المنشود.
كما أوصيك في الوقت نفسه أن تستمر في عملك الحالي بمزيد جودة وإتقان، مراقبا لربك، وحريصا على فرصتك القائمة حتى تتهيأ لك الفرص البديلة الموثوقة؛ فإما أن تحظى بتقدير جهة عملك نفسها لما استجد لك من تطوير وتنمية، أو أن تجد الترحيب من غيرهم في فرصة أفضل لك ولأسرتك.
وأما القلق على المستقبل والبيت الناشئ الذي تعوله:
فأذكرك أخي المبارك بأن الرزق مكفول من رب العالمين {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.
وما هذه الوصايا كلها إلا أسباب نتوكل على الله في العمل بها؛ فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله وتوكل عليه، ولا تلومن نفسك إلا على العجز والتقصير، محفزا لها على النهوض والارتقاء.
ومن الحكم الجميلة التي أهديها إليك في هذا المعنى: (ما فاتك فأدركه، فإن أدركته فاسبقه)!
فلا تنشغل بلوم نفسك لوم إحباط وقعود، ولكن بالقدر الذي تحثها به على مغالبة القصور والتقصير والانطلاق من جديد في ميادين التفوق والإبداع.
ولا يفوتني في الختام أن أوصيك بوصية مهمة؛ وهي عدم الاستعجال والاستحسار إذا بذلت جهدك فلم تجد الأثر أو الثمرة بالقدر الذي ترجوه، أو وجدت من هو أدنى منك في موضع أعلى؛ بل إن من وصايا الحكماء في هذا المجال قولهم: (توقع أن تحصل على مقابل أقل لما تقوم به، وأن يحصل من هو أدنى منك على أكثر مما تحصل عليه)! وهذا إنما يكون بعد بذل الجهد والوسع؛ فهي أرزاق مقسّمة لحكمة من المولى العليم الخبير.
وليكن زادك اليقين والرضا والتوكل على ربك جل وعلا، والدعاء الذي تذوب به الصعاب وتتحقق المحاب.
يسر الله أمرك ورفع قدرك وبلغك في رضاه آمالك.
الكاتب: خالد عبداللطيف.
المصدر: موقع المسلم.